إن هذه الإذاعة [قالوا] لها روّاج كُثُر يروّجونها, ولها مراسلون كُثُر يراسلونها, ولها صحفيون وإعلاميون كثير يبثون إليها كثيرا من الأخبار التافهة, والأعلام الباطلة, وهي تنشر ما يوصل إليها من الكذب والافتراء والزور والبهتان. إن أُمِّ المؤمنين عائشة -أكرمها الله بنور العفاف والعصمة- بثت عليها هذه الإذاعة أخبارا باطلة, وأمورا فاسدة, ألصقوها بها وبزوجها خير البريّة, وأزكى البشرية, روّجها أعداء الله, وأعداء الإسلام -أذلهم الله-, وهي من ذلك بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ}().
وأذكر أن في بلادي هذه رجل -والله يشهد أني أُحبه– قبل زمن يسير سقط في وحل هذه الإذاعة, فأصبح الناس يتكلمون فيه وفي عرضه, وأصبحوا لا ينادونه بفلان ابن فلان, لا!. بل أصبحوا ينادوه فلان ابن فلانة. ينسبوه إلى أُمّه, عداوة منهم, وكرها, وحسدا, وغيظا يحملونه عليه, وهو والله يشهد إنه برئ لا صحة لما قالوا فيه, بل هو ظلم وكذب وافتراء وبهتان وزورا, ولكنه نظر فيهم فعرف أن قدره أكبر من قدرهم, ونظر بعين إلى موضع أقدامه, ونظر بالثانية إلى ربه كي يعينه لما نواه في قلبه, فاستغل فرصة الكلام عليه حتى يتحمس وينشط لمواجهة أعداءه بطريقة مشروعة شرعا, فطلب العلم, ومارس العلم, ونال الشهادات العلياء في العلم, وحصل على الامتياز في بعض درجاته, فنال درجة البكلاريوس, والماجستير, والدكتوراه, والبروسفير, ويا لها من نعمة, أحسنت صنعا يا هذا!!.
فالفطين من يتلمس الصواب في الأخبار ليأخذها, وإن كانت إشاعة باطلة في سلة المهملات يرجمها. فالعاقل ثابت القدم، سديد الرأي، إذا هجمت عليه الأخبار، وأشكلت المسائل، فلا يأخذ بالبوادر، ولا يتعجل الحكم، وإنما يمحص ما يسمع، ويقلب النظر، ويحادث الفكر، ويشاور العقلاء، ويبحث عن أعذار, فإن الرأي الخمير، خير من الرأي الفطير. وقالوا: لأن تخطئ في العفو، خير من أن تخطئ في العقوبة{فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}().
فبالله عليك كيف تريد السعادة وأنت تأخذ ما هبّ ودبّ دون تثبت ولا تبيان؟!.